
بقلم: باسم برهوم – الحياة
غدا يبدأ المجلس المركزي اجتماعاته، والجميع يدرك مدى خطورة الأوضاع، فالقضية الفلسطينية تمر بأصعب مراحلها، ولأننا كذلك فإنه لأمر مستغرب أن تقاطع بعض الفصائل الاجتماع، وكأننا نعيش لحظة رفاهية سياسية يمكن خلالها أن نتخلى عن المسؤولية. ومهما كانت مبررات هؤلاء فإن الحضور كان يعطي لأصحابها الحق في تحديد المواقف والتأثير على النتائج من داخل المؤسسة التي نحن بحاجة ماسة لنعطيها بعض القوة والتماسك لا أن نساهم بإضعافها، وقرار المقاطعة هو قرار لا يعطي أصحابه أي ميزة، بل يعطي الانطباع كم هي الساحة الفلسطينية ممزقة ومتشرذمة.. فالسؤال: تخدم من بهذه المقاطعة؟
على أية حال الاجتماع رغم المقاطعين، هو اجتماع مهم ويأتي في لحظة سياسية تحتاج حكمة وذكاء أكثر من حاجتها للشعارات والمزايدات، تحتاج إلى قرارات تحصن أكثر وضعنا الوطني الداخلي، فأي هروب إلى الأمام من التصدي لمشكلاتنا الداخلية لن يقدمنا خطوة في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي سياق كفاحنا المتواصل منذ عقود من أجل هدف الحرية والاستقلال. كما لا توجد أهمية لأي برنامج سياسي أو مواقف من دون التماسك والوحدة الوطنية أقلها وحدة وتماسك فصائل منظمة التحرير، ومن هنا يبرز أكثر بؤسا قرار المقاطعة.
وإلى جانب مهمة إنهاء الانقسام، وهو الانقسام الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية، فإننا بحاجة إلى إعادة بناء نظامنا السياسي بكل مؤسساته بدءا من المنظمة ذاتها وأجهزة ومؤسسات الدولة الفلسطينية التي تخضع للاحتلال. ومن الواضح أنه وبسبب تعقيدات الحالة الوطنية الفلسطينية، وما فيها من تداخل، يحصل لدى البعض نوع من الالتباس بخصوص علاقة التكامل بين أهمية منظمة التحرير ودورها، وبالتالي أهمية إعادة تفعيل هذا الدور على الساحتين العربية والدولية، وبين أهمية مهمة بناء مؤسسات الدولة والنضال على الأرض ضد الاحتلال ونيل الاستقلال.
في واقع الأمر، وبالرغم من أن هناك دولة فلسطينية تعترف بها أكثر من 140 دولة، وهي من الناحية العملية متجسدة على أرض الواقع، فإننا لا نزال نعيش مرحلة التحرر الوطني، فالأهداف الوطنية الرئيسية في العودة والحرية والاستقلال لم تتحقق بعد، بل واقعيا لا يزال أمامنا مسيرة نضال طويلة وصعبة حتى نصل للحظة الحرية. لذلك المطلوب من المجلس المركزي اجراء إعادة تقييم موضوعي لطبيعة المرحلة، لأننا بحاجة لبرنامج سياسي واقعي يبدأ بتحديد أهداف يمكن تحقيقها في المدى المنظور، وخاصة تلك الأهداف المتعلقة بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وأهداف تتعلق بتحسين وتطوير الخدمات، الصحة والتعليم والبنى التحتية وبناء اقتصاد وطني قادر على الصمود. بموازاة ذلك وضع برنامج نضالي واقعي، برنامج يركز على مواجهة شعبية سلمية متواصلة ضد الاحتلال ومظاهره من تهويد واستيطان والاستيلاء على الأرض وهدم المنازل، برنامج نضالي يكون مكلفا سياسيا وماديا لإسرائيل ولا يقود لتدمير مقدرات الشعب الفلسطيني.
البرامج السياسية لا تنطلق من فراغ أو تتحرك في فراغ، هي نتاج مرحلة وواقع ولكن عبقرية البرامج هي في قدرتها على ملاحظة الواقع بدقة وإحداث تراكم يقود إلى تغييرات لمصلحة الأهداف الاستراتيحية. قد لا تكون جلسة المجلس المركزي الحالية قادرة على تحقيق كل هذه المتطلبات ولكن عليه أن يعطي انطباعا جديا للشعب أنه بدأ العمل في هذا الاتجاه ويعيد المقاطعين إليه لتكون هناك وحدة خلف القرارات.
وربما من الضروري أن نتذكر أن المجلس المركزي يقوم بمقام المجلس الوطني في غياب انعقاد الأخير، منظمة التحرير قررت عام 1973 استحداث هذه المؤسسة الوطنية الهامة، والسبب هو صعوبة عقد المجلس الوطني في ظروف سياسية مستعجلة تحتاج لمواقف وقراراته لها نفس قوة قرارات المجلس الوطني، لذلك تم تشكيل المجلس المركزي ليكون نموذجا مصغرا عن المجلس الوطني، يتضمن نفس التوليفة السياسية وله صفة التمثيل ذاتها.
ومع غياب المجلس التشريعي، ومن الآن وحتى إجراء انتخابات عامة في مناطق جغرافيا الدولة الفلسطينية جميعها، كانت هناك فكرة طرحت في السابق أن يأخذ المجلس المركزي دورا تشريعيا ورقابيا مؤقتا، وبالتالي ضرورة عقده بشكل دوري منتظم.
المهم أن نبدأ من نقطة معينة ومنها ننطلق للإصلاح الشامل. الموقف العدمي أو الانتظاري لن يؤدي إلى أي شيء، وثبت تاريخيا انها وصفة كارثية، فالمجلس المركزي يتيح فرصة، يعطي إمكانية، فمن المهم أن نبني عليها.
عقد المجلس المركزي بحد ذاته مسألة مهمة وضرورية، أما القرارات والنتائج فهي مسؤولية أعضائه ومسؤولية النقاش الشعبي الذي يجري حولها من خارج قاعة الاجتماع. لنكن إيجابيين ونمارس دورنا في النقاش تأييدا أو نقدا، فالواقع الفلسطيني صعب والمجلس المركزي يمكن أن يمثل هذه البداية، وإذا لم يكن كذلك لأسباب موضوعية لنجعل منه نحن هذه البداية.