
مفهوم الإستراتيجية وتحديد المشكلات
حركة فتح والمشروع الصهيوني مثالا
الكاتب : محمد القاروط ابو رحمة
قد نتداول جميعاً مصطلح التخطيط الإستراتيجي[1]، وذلك كلما كان هناك مفترق علينا الاختيار ما بين طرقه المختلفة، أو عندما تحدث مشكلة أو أزمة ما، فيكون اللوم غالباً على عدم وجود خطة إستراتيجية[2] تساعد على التنبؤ بالمستقبل[3]، وتكون مستعدة لمواجهته.
معايير وقواعد
غير أن الأكثر أهمية للمؤسسة أياً كانت طبيعة عملها هو الوقوف جيداً على مفهوم الإستراتيجية، حيث أن مفهوم الإستراتيجية الواضح في أذهان المعنيين بالتخطيط، يجعلهم أكثر مقدرة على تحديد الاتجاه الإستراتيجي لمؤسستهم.
تعتبر السراطية او الإستراتيجية إحدى المجموعات المتعددة لقواعد اتخاذ القرارات اللازمة لإرشاد وتوجيه السلوك التنظيمي لتحقيق رؤية ورسالة المؤسسة أو التنظيم.
أما مفهوم الإستراتيجية فهي تعتبر خطة عمل طويلة الأجل ترمي إلى تحقيق هدف المنشأة، او اختيار اليوم الذي سيؤثر في نتائج الغد [4]
وللاستراتيجية معايير وقواعد، أما المعايير فإنها معايير نوعية (غايات) ومعايير كمية (أهداف).[5]
أما القواعد فإنها ثلاثة مجموعات الأولى، قواعد لتحديد علاقة المؤسسة ببيئتها الخارجية بمعنى ما هي الخدمات أو المنتجات التي سوف تقدمها المؤسسة للمستفيدين منها، وهل هذه الخدمات هي خدمات جديدة أو خدمات قد تم تطويرها، وهذه القواعد تسمى (إستراتيجية الأعمال).
المجموعة الثانية من القواعد هي قواعد لوضع العلاقات الداخلية والعمليات داخل المؤسسة، مثل الهيكلية، وإتخاذ القرارات والسياسات والتمويل…الخ، ويطلق عليها (الإستراتيجية الإدارية)[6].
أما المجموعة الثالثة من القواعد فهي قواعد لتنفيذ الأعمال اليومية ويُطلق عليها (سياسات التشغيل اليومية) كالتوظيف، وإدارة الأفراد، وتوزيع الموارد المالية على مجموعات عمل المؤسسة…الخ.
يتضح مما سبق أن وضوح مفهوم الإستراتيجية بشكل كاف عند متخذي القرار في المؤسسة أوالتنظيم السياسي أو الاقتصادي او الاجتماعي وسواء الحكومي او غير الحكومي يساعدهم على معرفة حاجاتهم لنوعية الإستراتيجية التي يجب أن ينجزوها لتقديم خدمة جديدة، أو تلك الخدمة التي يجب تطويرها.
المشكلة في الاستراتيجية
إن الأمر المهم الآخر الذي يقابل أهمية الوعي والمعرفة بمفهوم الإستراتيجية هو في معرفة المشكلة التي ستتصدى لها الإستراتيجية أو الوضع المرغوب الوصول إليه.
أولى خطوات التصدي لأية مشكلة، أو بناء خطة للوصول إلى وضع مرغوب فيه هو تحديد المشكلة وصياغتها.
إن التحديد والصياغة الجيدة للمشكلة هو بمثابة قطع نصف الطريق إلى حلها، لأن المشكلة المحددة تحديداً جيداً تعتبر مشكلة نصف محلولة.
إن التحديد وصياغة المشكلة بشكل جيد يتطلب شرطان، الأول عدم ذكر الأسباب التي قد أدت أو ساهمت في بروز المشكلة عند القيام بتحديدها وصياغتها، والثاني عدم ذكر ما يوحي بحل المشكلة داخل نص صياغتها وتحديدها.[7]
قد يؤدي عدم وضوح مفهوم الإستراتيجية إلى إعتبار أي قاعدة من داخل مجموعة قواعد أكثر أهمية من المعايير النوعية أو الكمية والمعبر عنها بالغايات والأهداف.
المعايير في السراطية (الاستراتيجية)
على أن الغايات (معايير نوعية) تكون ثابتة لفترات طويلة من الزمن، وقد تتأثر المعايير الكمية (الأهداف) بالموارد وبيئة المؤسسة، ومستوى الخدمة، والفئة المستهدفة، وقد يحصل عليها تعديل وتبديل.
من هنا كان من المهم الإنتباه إلى أمرين عند صياغة الأهداف، الأول أن تقسم الأهداف على أساس زمني معقول، أهداف قصيرة المدى، متوسطة المدى، طويلة المدى.
مواصفات الهدف والأخطاء ال8
الأمر الثاني أن الأهداف قصيرة المدى يجب أن تخضع لخمسة مواصفات حتى تكون أهداف جيدة قابلة للتصنيف وهذه المواصفات هي:
أن يكون الهدف محدداً، وواضحاً، وقابلاً للتنفيذ، ويمكن قياسه، ومحدداً بوقت، وواقعي.
وقد يؤدي عدم تحديد المشكلة وصياغتها بالشكل الصحيح إلى الوقوع في أي من الأخطاء الثمانية التالية:
1-الاندفاع في الوصول على نتيجة محددة
2-أو القصور في جمع البيانات الهامة سواء المتعلقة بالمشكلة أو الحل
3- قيام مجموعة ما أو مؤسسة بالتصدي لمشكلة خارج نطاق صلاحياتها أوسيطرتها أو تأثيرها
4- أو أن تواجه مشكلة شديدة التعميم
5- عدم التعرف على أسس الحل، أو إرساء حلول غير واضحة
6- أو استبعاد أفراد أو مؤسسات من الحل أو الخطة يكون وجودهم ضروري وهام.
7- أو الوصول إلى خطة غير كافية أو مناسبة لحل المشكلة.
8- أو الوصول الى الوضع المرغوب فيه، وعدم وجود خطة وآليات تقييم لتنفيذ الحل.
نموذج مشكلة (المشروع الصهيوني في فلسطين)
كمثال فعند استخدامنا مصطلح المشكلة في الاحتلال، أو نسعى لإزالة الاحتلال، فإننا نرتكب خطأً مهما في تحديد المشكلة، حيث يوحي هذا النص على أن الحل هو في إزالة الاحتلال، ولان الاحتلال يفهم ضمنا انه عسكري، فان إزالته تتم بالعمل العسكري حصراً.
إن الصياغة الأكثر دقة في المثال السابق هي: (المشروع الصهيوني في فلسطين)، إن تحديد المشكلة بهذا النص يثير أسئلة كثيرة أمام المخطط أو المكلفين بالتخطيط والإجابة على هذه الأسئلة ستساعدهم على بناء الإستراتيجيات المناسبة للتصدي لهذه المشكلة.
والأسئلة العامة الثلاثة التي يجب الإجابة عليها في صياغة المشكلة السابقة: الصهيونية؟ فلسطين؟ ما الذي يجب أن نقوم به؟.
إنها من نحن وما الذي نريده وكيف نحقق ما نريد؟ وبقليل من التفصيل أسئلة مثل:
ما هي الصهيونية؟ممن تتكون؟ ما هو المشروع الصهيوني؟ ما هي علاقته مع المشروع الغربي الاستعماري؟ ما هي وظيفته كجزء من المشروع الغربي؟ ما هي فلسطين؟ لماذا فلسطين؟ حدود فلسطين؟ طبيعة الشعب الفلسطيني قيمه معتقداته..الخ؟. ثم أسئلة تتعلق بالتركيب الداخلي للمشروع، عسكريا اقتصاديا سياسيا ثقافيا اجتماعيا …الخ.وأسئلة أخرى على صعيد السياسات اليومية التي ينفذها في بلادنا.
إن تطبيق مفهوم الإستراتيجية على المثال السابق ذكره، يعطينا فرصة حقيقية لمعرفة أن الغاية التي نرغب في الوصول إليها هي معايير نوعية مثل المشاركة في النضال العالمي ضد الهيمنة الاستعمارية، والمشاركة في النضال العربي والإسلامي للتخلص من التبعية والتجزئة، وإنهاء المشروع الصهيوني في بلادنا.
حركة فتح والغايات
ان حركة فتح عبر رئيسها الشهيد ياسر عرفات كانت تعبر دوما عن هذه الغايات عبر ترديد الشهيد وكل الشهداء إننا لا ندافع عن أنفسنا، إننا ندافع عن الأمتين العربية والإسلامية وعن الأحرار والشرفاء في العالم.
وإن الأهداف هي تلك الخطوات الكمية التي يجب إنجازها للوصول إلى المعايير النوعية، وهي الأهداف المرحلية، مثل البرنامج المرحلي الذي اقره المجلس الوطني عام 1974م.
القواعد في السراطية (الاستراتيجية)
أما الجزء الثاني لمفهوم الإستراتيجية (القواعد) فإن قواعد إستراتيجية الأعمال تتطلب، خطة جمع البيانات وتحليلها وتحويلها إلى معلومات صالحة للتخطيط، وإستراتيجية تسويق، وإستراتيجية بناء شراكات داخلية وإقليمية ودولية.
من هذا المفهوم للإستراتيجية حددت حركة فتح مبادئها الثلاثة الاولى: التحرير طريق الوحدة، بهذا المبدأ حددت حركة فتح علاقة تحرير فلسطين باستعادة وحدة الامة.
وبمبدأ حرب الشعب طويلة الامد (النفس) جعلت لكل فلسطيني وعربي ومسلم وكل حر وشريف في العالم مكانا يقدم من خلاله ما يستطيع من جهد لدحر الشروع الصهيوني.
وبالمبدأ الثالث استقلالية القرار العربي الفلسطيني، جعلت فلسطين اولا وساهم هذا القرار ببلورة الهوية الوطنية الفلسطينية كجزء من هويتنا الحضارية الشاملة ممثلة بالامتين العربية والاسلامية[8] وكجزء من الشعوب التي تناضل ضد الهيمنة والاستعمار.
أما قواعد الإستراتيجية الإدارية (التنظيمية/داخل التنظيم)، فتتطلب إستراتيجية إتخاذ القرارات ومعايير متفق عليها، تدفق الإتصالات وإستراتيجية التمويل …الخ.
وهكذا يتم الأمر مع مجموعة القواعد الثالثة من مفهوم الإستراتيجية، قواعد سياسات التشغيل وتشمل الجداول الزمنية والخطط التفصيلية، والسيطرة والاتصال والمواصلات، وتوزيع الموارد البشرية والمادية..الخ.
وأخيراً:
إن التخطيط الاستراتيجي يتطلب وعياً بمفهوم التخطيط والاستراتيجية، وتداخل وتكامل المعايير والقواعد وتأثيرها المتبادل، كما يتطلب تحديداً دقيقاً للمشكلة المرغوب ان تتصدى لها الاستيراتيجية أوالوضع المرغوب الوصول إليه.
-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=
[1] محمد قاروط أبورحمة، قيادي في حركة فتح، غضو المجلس الاستشاري، ومدرب معتمد، وعضو لجنة التعبئة الفكرية في حركة فتح.
[2] الاستراتيجية وبالعربية هي السراطية من السراط أو المسار، وباعتبار أن من تعريفاتها السير وفق المسار، او كما يعرفها خالد الحسن علم وفن وضع المخططات العامة.
[3] هناك الخطة التكتيكية والخطة الاستراتيجية والمفهوم هنا يرتبط بالزمن غالبا أي الخطة قصيرة الامد والخطة طويلة المدى او المرتبطة بالغايات
[4] فكرة التنبؤ بالمستقبل هي فكرة تعريف التخطيط، وان كان من تعريفاته الاخرى ارتكاب الأخطاء على الورق.
[5] من مقال للكاتب حسين يونس ما هي الاستراتيجية؟ وفي تعريف آخر فالاستراتيجية هي طريقة لوصف كيف سنفعل الأمور. إنّها أقلّ تحديداً من خطّة العمل (التي تتضمّن إجابات عن أسئلة: مَن وماذا ومتى)، فهي تحاول الإجابة بطريقة شمولية على السؤال التالي: “كيف نصل إلى هناك من هنا؟” (هل علينا أن نستقلّ القطار؟ أم الطائرة؟ أم أن نسير؟).
والاستراتيجية الجيّدة تأخذ في الحسبان الحواجز والموارد القائمة (الناس، والمال، والسلطة، والمواد،…). كذلك، يجب أن تكون متناسقة مع الرؤية، والرسالة، والأهداف العامة للمبادرة. وغالباً ما تستعمل المبادرةُ استراتيجيات متعدّدة ومختلفة لبلوغ غاياتها – توفير المعلومات، وتعزيز الدعم، وإزالة الحواجز، وتوفير الموارد…الخ.
[6] وفي تعريفات أخرى فإن هناك الاهداف الكبرى (الغايات) والاهداف الصغري او الاهداف.
[7] حسب جري جونسون وكيفان شولز في كتابهما استراتيجة المؤسسات: “الاستراتيجية هي اتجاه ونطاق أي مؤسسة على المدى الطويل: يحقق ميزة للمنظمة من خلال تكوين مواردها في بيئة مليئة بالتحديات، لتلبية احتياجات الأسواق وتحقيق توقعات أصحاب المصلحة”. وبحسبهما فهي تتعلق بامور6 هي الاتجاه، والرؤية (المجال) والمزايا والموارد والبيئة وأصحاب المصلحة.
[8] يمكن فهم العوامل الخمسة الرئيسة المتحكمة بقدرة البناء الاستراتيجي للتنظيم السياسي، والاختراق أو التحليل بمعرفة والتعامل مع 1-قوة التنظيم و2-قوة الجمهور و3-الأفكار المتجددة و4-صعوبة أو سهولة تحقيق الاختراق (التحدي) و5-الخصوم والمنافسين (منقحا عن نموذج ميشيل بورتر عام 1980 في تحليل القوى الخمس).