19 - أبريل - 2025

الحملة الظالمة على عباس

الحملة الظالمة على عباس

بقلم عمر حلمي الغول
مما لا شك فيه، أن هبة القدس الرمضانية كانت نقطة تحول نوعية في مسار العملية الكفاحية الوطنية، وحملت في طياتها مجموعة من الدلالات والتداعيات والمخرجات، وبالتالي ما كان قبل الهبة، ليس كما بعدها على المستويات المحلية والعربية والدولية. لإنها فرضت معادلة جديدة في الصراع، وهزت قناعات راسخة في اوساط الصهاينة والفلسطينيين والعرب والعالم، وبالضرورة في مجملها تصب في الصالح الفلسطيني الوطني، وكنت عالجت بعض مشتقات عناوين الهبة، لكنها تحتاج لقراءة اشمل واوسع لاحقا.
من بين الجوانب غير الايجابية للهبة محاولة بعض المثقفين وأصحاب الرأي وممثلي بعض القوى السياسية إستغلالها للوقوع في شرك تصفية الحسابات الصغيرة باسم الدفاع عن “الذات الوطنية”، او لمجرد الإساءة، فضلا عن اصحاب المواقف المسبقة العقائد والفكر، وخلفيات الوراثة والتقاط اللحظة قبل فوات الآوان. مؤكد من حق كل صاحب رأي ان يدلي برأيه، والتعبير عن مواقفه ايجابا او سلبا، وهذا احد ابسط اشتراطات الديمقراطية. لكن عندما يندفع البعض لمحاكاة اللحظة السياسية، عليهم اولا ان يتخلوا عن حساباتهم الخاصة، ويبتعدوا عن الشخصنة في التحدث عما يمكن ان يكون عليه الوضع؛ ثانيا على اصحاب العقائد المعادية لمنظمة التحرير والوطنية الفلسطينية ان ينتبهوا لمعادلات اللحظة السياسية قبل ان يندفعوا في هجومهم، هذا من جهة، وان يعودوا قبل كل شيء لجادة الوطنية الفلسطينية من جهة أخرى؛ ثالثا ان يحاول الجميع معرفة ما قامت به القيادة عموما والرئيس ابو مازن خصوصا، حتى تكون محاكمتهم اقرب للموضوعية.
ومن واجبي ان اذكر، ان عددا ممن وقعوا على العريضة، التي تهاجم رئيس منظمة التحرير، وتطالب باقالته أو إستقالته، لهم مواقف من محمود عباس منذ أول يوم له في رئاسة السلطة والمنظمة وحركة فتح؛ وهناك اشخاص تحولوا للجبهة النقيضة بعدما ازاحهم عن مواقعهم لإعتبارات تتعلق بالعمل، وهناك قوى معادية لشخص ابو مازن إرتباطا باجندتهم الإخوانية والإقليمية ، مع انه هو من عمد فوزهم في الانتخابات البرلمانية عام 2006، وهو من حملهم للحكومة العاشرة. وبالتالي ليست اول حملة تحريض وتشويه وإساءة يتعرض لها الرئيس محمود عباس من قبل أصحاب وجهات النظر المتناقضة معه، والمعادية لخياره السياسي.
لكنهم كما باءوا بالفشل سابقا، اعتقد أنهم سيبؤوا بالفشل مجددا، لإن قراءتهم للتطورات، ولمجرى الأحداث شابه الخطأ، كونهم تسرعوا في قراءة الحدث، وانحازوا للعاطفة أكثر مما إنحازوا للمنطق والعقل والمحاكاة الموضوعية، وتناسوا مسؤولياتهم الوطنية، ولم يحاولوا استكناه معطيات وتطور اللحظة. من المؤكد انه حصلت اخطاء، وكانت هناك نواقص ومثالب، ومن يقول عكس ذلك يكذب على نفسه، ويناقض الواقع. لكن هناك فرق بين الأخطاء والخطايا، وبين من يستخدم النقد البناء للتطوير، وبين من حمل معول الهدم، وغلب العاطفة على المنطق والعلم. وانا هنا اوجه حديثي للوطنيين، وليس للجميع. لا سيما وان هناك قوى وجهات ونخب لها موقف من عباس حتى لو أضاء اصابعه شمع لهم. ولهذا الحديث ليس لهم، كون اجنداتهم معروفة.
واسمح لنفسي ان ادافع عن الرئيس ابو مازن، وانا خارج كل المواقع الرسمية، ولست ممن يسحجون او يمسحون الجوخ لا للرئيس عباس، ولا لفتح ولا لاي جهة،رغم انحيازي للوطنية الفلسطينية عموما ولحركة فتح خصوصا، وانا متصالح مع قناعاتي، والتي افترض كإنسان انها قد تصيب وقد تخطىء. لكن مما اعرفه ورأيته وشاهدته، فإن رئيس المنظمة منذ بداية الهبة خرج وأدلى بتصريح واضح وصريح مع الهبة ومع نضال جماهيرنا في ساحة باب العامود وباحات المسجد الأقصى، وطالب العالم بالتدخل لوقف العدوانية الصهيونية، والقى اكثر من كلمة مباشرة للشعب، وعقد اجتماعات للهيئات القيادية. كما انه وفريقه السياسي والأمني تمكن من التوصل لإتفاق مع حكومة الفاسد نتنياهو: بوقف كل الإنتهاكات العدوانية في الشيخ جراح وباحات المسجد وساحة باب العامود، وقبل ان تنطلق اي طلقة من غزة تجاه اسرائيل الكولونيالية. وعلى اثر ذلك، قامت القيادة بابلاغ بعض القيادات الرسمية العربية بنتائج تفاهماتها، واحداها سربت الخبر لحركة حماس، وعلى اثر ذلك قامت باطلاق قذيفتها على محيط العاصمة القدس، التي كانت بمثابة اشعال فتيل المواجهة، مع ان الرئيس عباس تمكن من وقف المواجهات مؤقتا دون خسائر في الأرواح. ليس ما تقدم فقط، انما واصل الرئيس عباس نشاطه السياسي والديبلوماسي ووجه وبتعليمات منه د. رياض المالكي، وزير الشؤون الخارجية لزيارة العديد من دول اوروبا، والمشاركة في المنتديات العربية والإسلامية والعالمية دفاعا عن الحقوق الوطنية الثابتة، ولفضح وتعرية دولة التطهير العرقي الصهيونية.
بالنتيجة حملتكم مصيرها الفشل، ومع ذلك علينا جميعا ان نستخلص الدوروس والعبر، وتفادي النواقص والعيوب والثغرات، وان يتمثل كل فصيل وحركة دوره ومكانته، ويجلس لقراءة الحدث بموضوعية وواقعية بعيدا عن التاريخ والاسقاطات الرغبوية.

مقالات ذات صله