
بقلم: ميساء أبو زيدان.
حِراك سياسي محموم تشهده المنطقة خلال أيار الحالي، تَركَّز جغرافياً بمحيط ميدان المعركة الدائرة على امتداد فلسطين التاريخية، بين الشعب الأعزل وجيش الإحتلال المُنفذ لسياسات الحكومة الإسرائيلية العنصرية، لِوقف العدوان الدموي على قطاع غزة في المقام الأول. والبحث في تداعيات التصعيد الذي تشهده الأراضي الفلسطينية على اتِّساعها، وجاء رداً على ما تشهده مدينة القدس من سياسات تهويدية، وما يستهدف حي (الشيخ جرّاح) تحديداً حيث الطرد يتهدد أهاليه بهدف سلبهم منازلهم وممتلكاتهم لصالح جماعات يهودية يمينيّة متطرفة. تقدمه (الحِراك) من الأطراف القيادتين الأردنية والمصرية، لاعتباراتٍ تاريخية وجغرافية بخلاف القومية والسياسية، ولما تقتضيه الجهود المبذولة سعياً لِتوطين الاستقرار في المنطقة، كونَ العديد من دولها شَهِدت انقلابات جذرية بسياق ما سَميَّ “الفوضى الخلّاقة”.
وبعيداً عن التأكيد على العلاقة العضوية التي تربط بين الفلسطينييّن وأشقائهم في المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية، يمكن تناول دورهما حسب المكانة التي يحتلها كِلا البلدين في المنطقة. فالأردن شهد تطورات نوعية في الأدوار التي أداها خلال العقدين الأخيرين، بِفِعل الأحداث الدراماتيكية التي عَصَفت بدول الشرق الأوسط ولا تزال، وانعكست عليه بمناحٍ عديدة، كان آخرها حجم الضغوط التي مُورِست على عمّان تحديداً خلال فترة الإدارة الأمريكية السابقة، رداً على الموقف الأردني المتمترس تجاه محاولات المساس بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للوضع القانوني والإنساني والديني لمدينة القدس، في استهدافٍ واضح (بخلاف استباحة الحق الفلسطيني) للوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة في المدينة، والانتقاص من مكانة الأردن الدولة بالمحيط .
بالأمس؛ خلال لقاء جلالة الملك (عبد الله الثاني) برئيس مجلس الأعيان وعدداً من رؤساء لجانه، تجلت رسالة الأردن الحاسمة موقفاً، والتي تجسدت إرادةً عبر الهبة الشعبية التي شهدتها مختلف مدن المملكة، على مدار العشرة أيام الأخيرة، تنديداً بالاعتداءات الإسرائيلية المُرتَكبة جرائماً بحق الفلسطينيين، ودعماً لحقهم في النضال والتحرر. تعمَّقت سطورها على الحدود الأردنية غرباً مشهداً تاريخياً، كرّس مصيرية العلاقة بين الشعبين، وعكس ثبات الموقف الأردني الرسمي والشعبي المنتصر لقضية الشعب الفلسطيني العادلة ولحقوقه المشروعة. الموقف الذي يدركه الأردن ملكاً وقيادةً وشعباً جيداً، وماهية مآلاته وتداعياته، المُنْطَلِق من وحدة المصير.
يبدو أن الصراع في المنطقة اتخذ في العقود الاخيرة من صيغ المواجهة ما هو مختلف عما عهدناه منذ بداياته، الأمر الذي أدركه الطرفان (العربي، الفلسطيني) – الإسرائيلي، فأفضى لمنهجيات مختلفة في إدارته كونَ حله باتَ في المنظور البعيد. الواقع الذي دفع بقادة المنطقة مؤخراً وتحديداً في البلدين (الأردن ومصر) للجم محاولة عزل الفلسطينيين عن محيطهم فيما يخص الصراع، وإحالة المفهوم المتساوق معها على أنه لا يتجاوز الأزمة سقفاً. تأتي الحراكات الأخيرة وطبيعة الأدوار التي يقوم بها قادة البلدين بالإطار الأساس، لتؤشر نحو إرادةً عربية تتبلور بخصوص الكيفية الأسلم لِطرح الصراع على المجتمع الدولي بما ينسجم ومصالح دول المنطقة بالمقام الأول، وإدارك يتطور بخصوص أهمية أن يُحفظ للقضية الفلسطينية مركزيتها، وبالتالي لجم اتساع عين الإعصار الذي يتهدد الإقليم بأكمله. مسؤولية كبيرة يتحملها قادة البلدين وبإيمانٍ راسخ تجاه نضال الشعب الفلسطيني، تتلخص بدفع الإرادة الدولية باتجاه إنهاء الإحتلال وتأصيل الحاجة لحل الدولتين، تحقيقاً لاستقرار المنطقة وأمنها، وإرساءًا للسلام العادل والشامل.